samedi 24 septembre 2011

ملاحظات على هامش خطاب 9مارس


                           ملاحظات على هامش خطاب 9مارس    


لا أحد يجادل الآن أن الخطاب الملكي ل9مارس، جاء كرد فعل لما يجري في الساحة الوطنية وخاصة دينامية 20 فبراير وما صاحبها من حراك اجتماعي وسياسي حتم على الماسكين بزمام الأمور بالبلاد، القيام بالعديد من الإجراءات التي تروم التهدئة وتلافي الاحتقان الاجتماعي الذي قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه (الإعلان عن إجراءات وتدابير فجائية في ميدان التشغيل، إحداث المجلس الإقصتادي و الاجتماعي، إنشاء مجلس وطني لحقوق الإنسان مكان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، خلق مؤسسة الوسيط بدل ديوان المظالم، إحداث مندوبية وزارية لحقوق الإنسان...).

 وإذا كان خطاب 9مارس منتظراِ وغير مفاجئ بالنسبة لمتتبعي الشأن السياسي، فقد كان له وقع الصدمة على جل الأحزاب والتنظيمات السياسية التقليدية وبعض الفاعلين في الحقل السياسي و الاجتماعي... وقد أصيبوا بالذهول من هول هذه الصدمة بالنظر إلى سقف الإصلاحات ألدستورية المعلن عنها من طرف الملك و التي لم تكن في حسبانهم، فبادرت جل الأحزاب إلى التململ من أجل تحيين مشاريعها الإصلاحية و الرفع من سقفها لتكون في مستوى ما أعلن عنه الخطاب الملكي. 

لقد تجاوزت اقتراحات الملك  حتى  ما جاءت  به اللجنة التي كلفها بإعداد التصور العام للجهوية المتقدمة، إذ أشار في خطابه ل9مارس، أن اللجنة اقترحت، في نطاق التدرج، إمكانية إقامة الجهوية المتقدمة بقانون، في الإطار المؤسسي الحالي، وذلك في أفق إنضاج ظروف دسترتها، بينما اعتبر الملك أن المغرب، بما حققه من تطور ديمقراطي، مؤهل للشروع في تكريسها دستوريا.

 من مزايا الحطاب، بغض النظر عن المنهجية المعتمدة في تعديل الدستور، فإن المرتكزات التي بني عليها هذا التعديل يمكن استغلالها وفتح نقاش عميق وهادئ للوصول إلى صياغة دستور ديمقراطي يضمن فصلا حقيقيا للسلط  وتوازنها ويقوي سلطات وصلاحيات الوزير الأول ويقر بأن الشعب هو مصدر السلطات يمارسها عن طريق ممثلين منتخبين بشكل ديمقراطي ومباشر.

 الديمقراطية، سلوك وممارسة، ليس فيها استثناء فإما أن تكون ديمقراطيا أو لا تكون. والديمقراطية، كنظام للحكم، ليس حمالة تأويلات  وإن اختلفت أشكال ممارستها: ملكية برلمانية وجمهورية ذات نظام رئاسي، جمهورية ذا نظام رئاسي برلماني، جمهورية ذات نظام شبه رئاسي، أو جمهورية برلمانية. 

 لذا فإن اللجنة المكلفة بإعداد الدستور مدعوة لحمل مسؤولياتها وذلك بالاستماع إلى كافة الأطراف المعنية دون إقصاء أو تبخيس، كما أنها مدعوة لأخذ العبرة من تجربة اللجنة التي كلفت بإعداد الجهوية المتقدمة، وذلك بالتحلي بالجرأة اللازمة وعدم اختلاق خطوط حمراء وهمية، لأن بعضا من معضلاتنا في المغرب هو أن أغلب مسئولينا يعتبرون أنفسهم ملكيين أكثر من الملك.

لقد صرح الملك بأن المغرب بما حققه من تطور ديمقراطي مؤهل لتكريس الجهوية دستوريا، وهي إشارة إلى أن المغاربة مؤهلين بل هم في مستوى أن يكون لهم دستورا يلبي تطلعاتهم في نظام ديمقراطي حقيقي يقر لهم بكامل الحقوق والحريات، نظام حكم يحس فيه جميع المغاربة بأنهم مواطنين وليس رعايا، ويقطع مع الممارسات المخزنية العتيقة التي تنفلت من قبضة المؤسسات.

يجب القطع مع المخزن كمؤسسة لحماية كل من يحن إلى  الأساليب والسلوكات التي لا تحتكم إلى القانون والمؤسسات الديمقراطية أي القطع مع اللامسؤولية وعدم المحاسبة السياسية والإفلات من العقاب. 

جاء في خطاب 9مارس وفي مرتكزه الأول:"التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة."،  إن اللجنة مدعوة إلى التشاور مع الفاعلين داخل الحركة الأمازيغية وكذا جميع الأطراف التي لديها مواقف متقدمة وناضجة من الأمازيغية وذلك للتأكد من أن المطلب الأساسي والذي شكل أهم المطالب التي رفعتها الحركة الامازيغية ولازالت تناضل من اجلها هو دسترة الامازيغية وإقرارها كلغة رسمية إلى جانب العربية وذلك لتمكينها من الحماية القانونية حتى تتبوأ المكانة اللائقة بها في جميع الميادين وحقول العمل اليومي ما دامت رصيدا لجميع المغاربة كما جاء في الخطاب. ولعل أول ما يجب القيام به في هذا الصدد هو حذف أو استبدال عبارة "جزء من المغرب العربي الكبير" في تصدير دستور 96 عند الحديث عن انتماء المغرب، لان هذه العبارة بالإضافة إلى  لا جدواها وطابعها العنصري الواضح، فإنها إعلان  عن نية الإقصاء وعدم احترام التعدد والاختلاف الذي يتميز به المغرب وبالتالي فهي غير جديرة بدولة ترفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان. 

وعند الحديث عن القضاء جاء في المرتكز الثالث من الخطاب الملكي وجوب "الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه"، إن التنصيص في الدستور على القضاء  كسلطة مستقلة هو ارتقاء وقطع مع الدساتير السابقة والتي ظلت تتحدث عن القضاء، منذ دستور 62، كجهاز لم يسلم من التدخلات والأوامر التي جعلته فاقدا لكل مصداقية عند غالبية الشعب. وجدير بالذكر أن إقرار استقلالية القضاء  لن يكون له معنى لدى المواطن إلا  إذا تبدى  له كسلطة في خدمة المواطن تحقق له العدالة والحكم النزيه الذي لا يتأثر مصدره بآي تأثيرات خارجية مهما كان مصدرها وكيفما كان نوعها إذ يحتكم القاضي فيه على ضميره وقناعاته التي لا يمكن زحزحتها مهما كان.

إذا كان استقلال القضاء مرتبطا بالمسار المهني للقضاة فإن المواطن مشغول بنزاهته وحياده وهو بحاجة إلى حكم نزيه لا يتأثر إلا بالوقائع التي  تعرض عليه ويفصل فيها طبقا للقانون دون محاباة ودون تأثير. وقد اكتوى المواطنون، طيلة عقود من الزمن، بنار أحكام جائرة لم يكن القانون فيصلا فيها بل التعليمات والمحاباة ناهيك عن الرشوة وسلطة الجاه. 

إن أول الخطوات الواجب القيام بها في المستقبل العاجل هو إطلاق سراح معتقلي الرأي وإعادة النظر في ملفات المعتقلين على خلفية الأحداث الإرهابية  وإصدار العفو على كل من تبت أنه لم يتورط فيها وكل من لا يؤمن بالعنف كأسلوب في تدبير الخلاف و الممارسة السياسية.

كما يجب تدارك بعض الأحكام أو تمتيع المتهمين بالسراح المؤقت في انتظار بث المحكمة فيها، ونشير هنا إلى ملفت التعاضدية العامة التي جاءت على خلفية صراع المواقع داخل التعاضدية بين حزب الإسثقلال و الإتحاد الإشراكي ولنا عبرة في صراع المواقع بمجلس مدينة سلا والحسابات السياسية التي زجت بمجموعة من الأعضاء والمنعشين العقاريين و المهندسين في السجن قبل أن تصدر الأوامر لتمتيعهم بالسراح المؤقت... وفي نفس الإطار يجب إعادة النظر في المحكمة العسكرية التي يرى أغلب المختصين في القانون لاجدواها مادامت هناك قوانين خاصة بالانضباط والسلوك الواجب داخل الجهاز العسكري كما أن المحاكم العسكرية تشكل استثناء يلجأ إليها في حالة الحرب أو الطوارئ ما عدا ذلك فهي قرينة في ديمومتها بالأنظمة الشمولية والديكثاثورية التي سادت ثم بادت أو في طريقها للإبادة. ونظن أن الأستاذ الصبار أمين المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعرف جيدا حجم الأحكام الجائرة التي أصدرتها المحكمة في الكثير من الملفات التي عرضت عليها والتي كان للتعليمات فيها  دورا كبيرا، ولعل ملف الكولونيل بديع بلوط خير مثال على ذلك وقد سبق للأستاذ الصبار والأساتذة عبد الرحيم الجامعي وبن همو أن أصدروا بلاغا بجريدة أخبار اليوم أكدوا فيه خلفيات اعتقال الكولونيل بديع وارتباطه بالصراع السياسي في انتخابات 2007 بين حزب الإسثقلال و حزب الأصالة و المعاصرة  والذي أودى في آخر المطاف إلى أحداث اكوبر2010 التي عرفتها مدينة العيون. كما أن الأحكام الصادرة في حق المعتقلين في قضية الوطن الآن صيف 2007 لازالت عالقة بأذهان الرأي العام ولا يزال البعض منهم وراء القضبان بالرغم من طلبات العفو المرفوعة إلى السلطات المعنية بالأمر.

تلك بعض الإجراءات التي يجب القيام بها  وذلك لجبر الخاطر وإصلاح ما أفسدته أيادي المخزن الذي نطمح إلى القطع مع ممارساته  والتأكيد على أن الإصلاحات المزمع القيام بها  ليست ذرا للرماد في الأعين وأن دولة المؤسسات والديمقراطية وحقوق الإنسان هي الأفق الذي لا محيد عنه.

بقلم: بوداري محمد
شهر مارس 2011

vendredi 23 septembre 2011

الأمازيغية والدستور المرتقب


الأمازيغية والدستور المرتقب

في خضم النقاش الدائر في المغرب حول الإصلاحات  الدستورية التي تمخضت عن خطاب الملك بتاريخ 9 مارس 2011، تباينت المواقف والآراء حول وضعية الأمازيغية بالدستور المقبل. ولئن بقيت بعض الأحزاب وفية لنهجها المتمثل في تجاهل المطالب المشروعة للحركة الامازيغية وتبخيس حق اللغة والثقافة الامازيغيتين ومحاولة الالتفاف على هذه المطالب فإن بعض الجهات لم تجد غضاضة في إعلان الحرب على الامازيغية وذلك بخلق معارك ونقاشات تم تجاوزها من طرف الحركة الامازيغية والمهتمين بشأنها منذ زمن بعيد؛ كإشكالية الحرف المعتمد و ثنائية اللغة/اللهجة وكذا خلق جمعيات للدفاع عن اللغة العربية والمطالبة بإخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية إلى الوجود محتجين بأن خطرا يتهدد اللغة العربية والحال أن لا أحد طالب بإقصائها وهضم حقوقها. بل إن الحركة الأمازيغية مافتئت تطالب بإدراج الامازيغية كلغة رسمية في الدستور إلى جانب العربية. ولم نسمع يوما أن أحدا طالب بإقصائها أو التنقيص من قيمتها.
فالعربية من هذا المنطلق ليست في حاجة لمن يدافع عنها لأنها بكل بساطة ليست في خطر فهي حاضرة في أكثر من مستوى داخل المجتمع وإن كان المغاربة في حياتهم اليومية يتداولون فيما بينهم باللسان الدارج أو بالامازيغية بمختلف تعابيرها أو حتى بالفرنسية، فإن اللغة العربية محصنة دستوريا ودينيا حتى وإن كانت هناك لغة في حاجة إلى الحماية القانونية والرعاية الرسمية فإنها الامازيغية التي عانت منذ عقود من التهميش والإقصاء والغربة في عقر دارها.
وبغض النظر عن كون الأمازيغية مسؤولية كل المغاربة فإن جانبا كبيرٍا منها يقع على عاتق الحركة الأمازيغية وكل القوى الديمقراطية بالبلاد إذ أن مطالب الحركة الثقافية الامازيغية كانت ولا تزال تتوخى بناء مغرب ديمقراطي حداثي يقطع مع كل الممارسات التي تنفلت من المراقبة المؤسساتية مغرب يتعايش فيه المواطنون بكل حرية وكرامة وفي ظل قوانين تساوي بينهم بغض النظر عن اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين.
إن حركة بهذه المواصفات لا يمكنها إلا أن تساير حركية المجتمع وتنخرط في الدينامكية الاجتماعية التي فجرتها حركة 20 فبراير وذلك للمطالبة بتغير دستوري ينسجم مع تطلعات الشعب ومع متطلبات العصر التي تحتكم إلى المواثيق الدولية في مجالات حقوق الإنسان والحريات الفردية و الجماعية.
إن حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحركة الأمازيغية تستدعي منها رص الصفوف والتنسيق بين مكوناتها وذلك لرفع التحدي وفرض مطالبها المشروعة وقد حان الأوان للاستعداد لما بعد التعديل الدستوري ومن أجل ذلك يجب اختيار الحلفاء والتعامل مع الخصوم بكل حزم لأن زمن التوافقات قد ولى. كما أن النقاش يجب أن يشمل طبيعة واختصاصات المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، لأن توسيع اختصاصات وتغيير طبيعة بعضها (ونعني هنا المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط ومجلس المنافسة وكذا مجلس محاربة الرشوة) يجب أن ينسحب كذلك على المعهد الملكي مادامت هناك مطالب في هذا الاتجاه قد تم التعبير عنها في أكثر من مناسبة من طرف الحركة الامازيغية.
محمد بوداري
شهر مارس 2011